الجمعة، ٢٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

المقامة الطوارئية..

حدثنا السندباد فقال : خرجت في أحد الأيام .. لزيارة صديق لي قلّ مثيله في الأنام . طبيب حاذق لوذعي .. أسأل الله أن يجعله علما كالإمام الأوزعي ،
فتبادلنا التحيات .. واستعدنا الذكريات .
حتى ذهبنا في حديثنا كل مذهب .. عن أحوال الناس ، وأسواق الذهب .. فكان حديثنا ذو شجون .. أرق من حديث ليلى عن عاشقها المجنون ..
حتى بادرته بسؤالي الأخير .. واستهللته بقولي يا صديقي الأثير ..
حدثني عن أعجب ما وقع لك في قسم الطوارئ .. مستعينا بالله الخالق البارئ ..
وكأن سؤالي صادف هوى في نفسه .. فتبسم حتى بدت نواجذ ضرسه ..
ثم قال : إليك هذه الحادثة العجيبة .. التي حيرت كل طبيب وطبيبه .
ففي أشهر المستشفيات .. وفي ليلة من ليالي المناوبات
خرجت من قسم الطوارئ .. لأمتع نظري بالنجوم الساطعة كاللآلئ
فإذا بي أبصر في المدخل .. رجلا أصابني بالرجفة والوجل
رث الثياب ..لا يبدي حراكا .. و لا يحير جوابا ..
فجلست بجواره .. طامعا في حواره ..
فإذا وجهه كتاب حزين .. قطع من قلبي الوتين ..
فأسرعت إلى الداخل .. واستدعيت الأخصائي أبو نائل ..
فحضر معي لمعاينته .. ثم أعطى أوامره لإدخاله في القسم لفحصه ومراقبته..
ولأن المريض في شبه غيبوبة .. أخذنا نبحث عن هويته في(جيوبه)
فلم نجد بطاقة ولا إقامة .. ولا إشارة تدلنا ، ولا علامة ..
فوقعنا في دوامة .. يعجز عن حلها أبو دلامة ..
ولأن الوضع لا يحتمل التأجيل .. سارعنا بعمل التحاليل .. وإن كنا لا نعلم عن الرجل كثيرا أو قليل ..
وما هي إلا دقائق .. حتى أتانا التقرير الصاعق ..
فمريضنا المسكين .. قد جمع في عمره الستين .. أمراضا من العيار الثقيل .. يعجز عن حملها جسم الفيل ..
1)فمن مرض نقص المناعة .. الذي ينخر في جسمه كل ساعة .
2)إلى السل الرئوي .. القاتل المخضرم الذي لا يرعوي .
3)إلى الحمى الشوكية .. التي لا تعرف رحمة ولا روية .
4)إلى جلطات الدماغ .. التي تركت في ذاكرته ألف فراغ .
فكنا كمن هوى من علو شاهق .. لكن التقرير كان أوضح من الفجر الصادق .. لا يجامل ولا ينافق ..
أضف الى هذه البلايا.. خاتمة الحكايا ..
فالرجل لا تعرف له هوية .. ولا أسرة ولا ذرية ..
الرجل مجهول .. وجسمه قنبلة موقوتة تصول بيننا وتجول ..
ومثله بيننا كثير .. فلا بد من تدارك هذا الوضع الخطير ..
فقلت : يا لطيف .
فقال : يا لطيف .
فقلت يا صديقي السندباد .. إن المشكلة في ازدياد ..
فمريضنا قد انتهى منه المعالج .. وهو مؤهل أن يذهب للخارج ..
لكن ليس له أهل ولا ذرية .. ولا يحمل معه إقامة ولا هوية ..
وهو في نفس الوقت من البشر .. فلا يجوز رميه مثل الحجر ..
فيظل يحجز في المستشفى سرير .. وغيره يأتينا مصابا بمرض خطير ..
فنكتفي برده باللطف واللين .. فأسرّتنا مليئة بمثل ذلك المسكين ..
أليس أولى أن تكون لهم دار تقلهم .. فنستطيع أن نستقبل من المرضى غيرهم ..
دلني يا صديقي على الطريقة .. أليست هذه مشكلة في الحقيقة !!
وهكذا تبقى مشكلتنا تدور وتدور .. عبر الأيام والليالي والشهور ..
فهل من حل أيها الجمهور ؟؟ أفيدونا ، زادكم الله من الأجور .

ودمتم سالمين .

وكتبه / د. أسامة بن عبدالله بارشيد .
و د. عبدالمهيمن حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق