الخميس، ٧ محرم ١٤٣١ هـ

ماذا بعد الحج

في نهاية كل عام هجري ، يجتمع الملايين من المسلمين في بقعة واحدة بل في واد واحد ليختموا عامهم بأداء الركن الخامس من أركان ديننا الإسلامي الحنيف .

في ذلك الوقت يجتمع الملايين في وقت واحد ويلبسون زيّا واحدا ويدعون ربّا واحدا .. وينهجون منهجا واحدا . قلوبهم .. كقلب رجل واحد ، وصدورهم لا فيها حاقد ولا حاسد . يجلس الغني بجانب الفقير .. فلا يسأله عن رصيده في البنك ، ويجلس العربي بجانب العجمي ، فلا فرق بين أسود ولا أبيض ، ولا متعلم ولا جاهل ، ولا ذكر ولا أنثى . الكل ينظر للآخر نظرة الجسد الواحد .. إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، كما نقرأ في أحاديث الترغيب في اجتماع الأمة. وحينما ينتهي الملايين من أداء فريضة الحج فإنهم يعودون إلى ديارهم وقد غفرت لهم ذنوبهم ، لكن بعضهم ينسى وراءه في ذلك الوادي ما تعلم من دروس ، وما خالط النفوس من وحدة الصف وجمع الكلمة .. ومحبة الخير للغير ، فيعود ليرى نفسه من جديد خيرا من ذلك الفقير ، أو أعلى من ذلك الحقير .. فهو لديه ملايين الدولارات ، وتخرج من أعلى الجامعات .. وهو على مرتبة وزير ، فأنى له أن يجالس الفقير !! فياسبحان الله .. وكأن ماكان في عرفات ، هو شيء من الخرافات .. أو أنه أمر لا يتجاوز تلك اللحظات .

وأنا أتأمل مع نفسي تلك المعاني .. قلت لنفسي : لعل هذا من باب قول الله سبحانه وتعالى : ( ولا يزالون مختلفين ..) ، فقالت لي نفسي ولكن الله سبحانه وتعالى يقول كذلك : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ، فجلست في حيرة من أمري ، فهل اختلاف المسلمين وتفرقهم أمر طبيعي ، أم أنه منكر وذنب نهانا الله عنه ؟؟ هل الأصل في أمة المسلمين أن يكونوا مختلفين من باب ولا يزالون مختلفين ، أم ماذا ؟؟

حينها ذكّرتني نفسي بمواقف من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تؤيد وتدعم اجتماع المسلمين وتوحّد كلمتهم ، وأن جمع الكلمة أولوية قصوى في هذه الأمة ، حيث أنها كانت أولى اللبنات في بناء هذه الأمة المحمدية ، فأول ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حينما أسس هذه الأمة كان بناء المسجد ، والمؤاخاة .

وحينما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجري والأنصاري ، لم يطالبهم بتغيير ألقابهم من باب التآخي والاجتماع ، فلم يقل للمهاجري امسح لقبك وبدله بغيره ، ولم ينكر على الخزرجي أو الأوسي ذلك .. فهذا اختلاف تنوع ، ومادام الاختلاف والتعدد في النوع لا يؤدي إلى خلاف في النفوس ، فهو أمر مقبول . لكن حينما انقلب هذا الاختلاف إلى خلاف وتعصب وتحزب ، وتداعى كل لنسبه فقال أحدهم يا للأنصار وهتف الآخر يا للمهاجرين وبدأت التفرقة ، هنا دق رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقوس الخطر ، ووضع خطا أحمر وغضب من هذا المنكر العظيم .. منكر الفرقة وتشتيت الأمة ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ) ، ثم قال مبينا فسادها وكسادها ( دعوها فإنها منتنة ) .

ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الغني غناه ، ولا على صاحب المنصب أو الجاه ، ما دام لا يطغى على إخوانه ، أو يرى نفسه خيرا منهم .. بل أمره بالزكاة والصدقة ، وأن لا يمن بصدقته .

حينها اتضحت في عيني الأمور .. وانقشعت الحيرة التي كانت بيني وبين نفسي ، وعلمت أن الاختلاف والتعدد مادام خلافا في النوع ، فهذا طبيعي .. فلا غنى للغني عن الفقير ، والطبيب يحتاج للمريض كحاجة المريض له ، فالأمة تحتاج للمفكر والصانع والفارس والبائع مادام كل في ثغره بارع .. وهي كذلك تحتاج للصغير والكبير والذكر والأنثى سواء بسواء .

فهل نعي هذا الدرس من دروس الحج كل عام ، وهلاّ نطبقه في حياتنا تطبيقا عمليا لا مجرد كلام . أم نتركه وراءنا في منى وعرفات ، ثم نعود ونكرره في كل السنوات !!

أتمنى أن ننتقل من الأقوال إلى الأفعال .

اللهم وحد صفوف وقلوب المسلمين .. واجمع كلمتنا على الحق والدين .. اللهم آمين .

السبت، ٤ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

عام الشباب 2010

الشباب هو الأمل .. هو الحماسة والعمل ، الشباب هم طاقة الأمة وروحها المتوقّدة التي تشع نشاطا وقوة ، وإنما تقاس قوة الأمة وقدرتها على البقاء بين الأمم الأخرى بقدر ما فيها من شباب يحملون قيمها ويحفظون تاريخها ويحافظون على هويتها

والنبي محمد صلى الله عليه وسلم حينما أنشأ هذه الأمة .. اهتم بشبابها كما اهتم بشيوخها وأطفالها ، بل إنه كان يقدّم الشباب أحيانا كثيرة على الشيوخ ، ويتجلى ذلك في أكثر من موقف في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم . ففي مَهمّة مُهمّة لهذه الأمّة .. والتي هي نقلة نوعيّة في تاريخ الإسلام ، في إرسال جيش لإيصال دين الله عز وجل إلى بلاد الشام والتي كان يحكمها الروم في ذلك الوقت ، اختار النبي صلى الله عليه وسلم الشاب الصحابي أسامة بن زيد رضي الله عنه لهذه المهمّة ، وقدّمه على شيوخ الصحابة وفيهم أبابكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم .. وهذا ليس تقليلا من شأن الشيوخ لكنها الثقة بحماسة الشباب وروحهم الوثّابة

وفي غزوة أحد ، شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حول كيفية ملاقاة الأعداء من كفار قريش الذين جاؤوا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فبعد المشاورات والاجتماعات خرج شباب الصحابة برأي الخروج إلى أحد لملاقاة الأعداء هناك ، وخرج شيوخ الصحابة ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم بخطة حرب الشوارع أي داخل المدينة . وفي نهاية المطاف قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي الشباب من الصحابة وذلك لكثرتهم وحصولهم على أغلبية التصويت ، وتراجع عن رأيه صلى الله عليه وسلم . ففي هذه القصّة لفتة مهمة في إشراك الشباب اليافعين في كل قضايا الأمة حتى لو كانت مصيرية وتعني بقاء الأمّة أو زوالها

وفي المقابل فلقد كان شباب الصحابة يعطون آذانهم وأذهانهم لشيوخ الصحابة فيستنيروا برأيهم ويستلهموا الحكمة منهم

ومن هذا فإنّي أعوّل في شباب المبتعثين خيرا في إدارة النادي للعام القادم ، ولنجعل عام 2010 عام الشباب . فيا شبابنا سنعطيكم أصواتنا فأعطونا آذانكم

وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح .. وثبتنا على الحق حتى نلقاه .. اللهم آمين

الجمعة، ٢٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

المقامة الطوارئية..

حدثنا السندباد فقال : خرجت في أحد الأيام .. لزيارة صديق لي قلّ مثيله في الأنام . طبيب حاذق لوذعي .. أسأل الله أن يجعله علما كالإمام الأوزعي ،
فتبادلنا التحيات .. واستعدنا الذكريات .
حتى ذهبنا في حديثنا كل مذهب .. عن أحوال الناس ، وأسواق الذهب .. فكان حديثنا ذو شجون .. أرق من حديث ليلى عن عاشقها المجنون ..
حتى بادرته بسؤالي الأخير .. واستهللته بقولي يا صديقي الأثير ..
حدثني عن أعجب ما وقع لك في قسم الطوارئ .. مستعينا بالله الخالق البارئ ..
وكأن سؤالي صادف هوى في نفسه .. فتبسم حتى بدت نواجذ ضرسه ..
ثم قال : إليك هذه الحادثة العجيبة .. التي حيرت كل طبيب وطبيبه .
ففي أشهر المستشفيات .. وفي ليلة من ليالي المناوبات
خرجت من قسم الطوارئ .. لأمتع نظري بالنجوم الساطعة كاللآلئ
فإذا بي أبصر في المدخل .. رجلا أصابني بالرجفة والوجل
رث الثياب ..لا يبدي حراكا .. و لا يحير جوابا ..
فجلست بجواره .. طامعا في حواره ..
فإذا وجهه كتاب حزين .. قطع من قلبي الوتين ..
فأسرعت إلى الداخل .. واستدعيت الأخصائي أبو نائل ..
فحضر معي لمعاينته .. ثم أعطى أوامره لإدخاله في القسم لفحصه ومراقبته..
ولأن المريض في شبه غيبوبة .. أخذنا نبحث عن هويته في(جيوبه)
فلم نجد بطاقة ولا إقامة .. ولا إشارة تدلنا ، ولا علامة ..
فوقعنا في دوامة .. يعجز عن حلها أبو دلامة ..
ولأن الوضع لا يحتمل التأجيل .. سارعنا بعمل التحاليل .. وإن كنا لا نعلم عن الرجل كثيرا أو قليل ..
وما هي إلا دقائق .. حتى أتانا التقرير الصاعق ..
فمريضنا المسكين .. قد جمع في عمره الستين .. أمراضا من العيار الثقيل .. يعجز عن حملها جسم الفيل ..
1)فمن مرض نقص المناعة .. الذي ينخر في جسمه كل ساعة .
2)إلى السل الرئوي .. القاتل المخضرم الذي لا يرعوي .
3)إلى الحمى الشوكية .. التي لا تعرف رحمة ولا روية .
4)إلى جلطات الدماغ .. التي تركت في ذاكرته ألف فراغ .
فكنا كمن هوى من علو شاهق .. لكن التقرير كان أوضح من الفجر الصادق .. لا يجامل ولا ينافق ..
أضف الى هذه البلايا.. خاتمة الحكايا ..
فالرجل لا تعرف له هوية .. ولا أسرة ولا ذرية ..
الرجل مجهول .. وجسمه قنبلة موقوتة تصول بيننا وتجول ..
ومثله بيننا كثير .. فلا بد من تدارك هذا الوضع الخطير ..
فقلت : يا لطيف .
فقال : يا لطيف .
فقلت يا صديقي السندباد .. إن المشكلة في ازدياد ..
فمريضنا قد انتهى منه المعالج .. وهو مؤهل أن يذهب للخارج ..
لكن ليس له أهل ولا ذرية .. ولا يحمل معه إقامة ولا هوية ..
وهو في نفس الوقت من البشر .. فلا يجوز رميه مثل الحجر ..
فيظل يحجز في المستشفى سرير .. وغيره يأتينا مصابا بمرض خطير ..
فنكتفي برده باللطف واللين .. فأسرّتنا مليئة بمثل ذلك المسكين ..
أليس أولى أن تكون لهم دار تقلهم .. فنستطيع أن نستقبل من المرضى غيرهم ..
دلني يا صديقي على الطريقة .. أليست هذه مشكلة في الحقيقة !!
وهكذا تبقى مشكلتنا تدور وتدور .. عبر الأيام والليالي والشهور ..
فهل من حل أيها الجمهور ؟؟ أفيدونا ، زادكم الله من الأجور .

ودمتم سالمين .

وكتبه / د. أسامة بن عبدالله بارشيد .
و د. عبدالمهيمن حسن

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. سيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. أما بعد
فهذه أول تدوينة في مدوّنتي الصغيرة .. فأحببت أن أبدأها بالحمد والثناء على الله .. والصلاة والسلام على رسول الله
فأي أمر لا يُبدأ باسم الله فهو أبتر وأقطع
نفعني الله وإياكم بما ندوّن ونكتب ونسمع ونقول ونعمل .. وجعلنا من المخلصين
اللهم آمين
ودمتم سالمين