الثلاثاء، ١١ ذو القعدة ١٤٣٤ هـ

جحا وحماره وولده في سيدني


 ونس أبون أتايم

  خرج جحا مع ولده وحماره ذات ليلة .. ليتمشى في الدارلنق هاربر

وكان جحا راكبا على حماره وولده يمشي خلفه .. فمرّ على مجموعة من القوم الأسترال في الدارلنق هاربر .. فقالوا واتز قوينق مايت 
؟؟ يالقسوة قلبك يا مايت .. أتركب على الحمار وتدع ولدك فلذة كبدك يمشي على رجليه !! يالك من أب قاس .

فنزل جحا على الفور من حماره وأركب ولده .. وأخذ يمشي هو خلف حماره .. فلما بلغوا ناحية الأوبرا هاوس .. إذا بمجموعة من الأبوروجينيز (سكّان أستراليا الأصليين) ينظرون إليهم نظرة استغراب .. وقالوا انظروا إلى ذلك الولد الشقي العاق .. يركب على الحمار مستريحا ، بينما أباه يمشي على رجليه !! ألا يحترم أباه ويوقّره ؟؟
ونظروا إلى جحا بنظرة لم يفهم معناها ، فحملق بحاجبيه .. ومطّ شفتيه ، ثم قالوا له ( كانقارو ولنجونج لاكمبا ) .. فلم يفهم ما يقول أولئك القوم ، لكنه أشار على ولده بأن يصعد معه على الحمار .. فأصبح جحا وولده على الحمار ، فنهق الحمار نهقة دوّى صداها في الأوبرا هاوس لمدة 3 أيام متتالية .. وذلك إثر تحمله لجحا وولده ، فكلاهما على ظهره .

رأى ذلك المنظر المهيب مجموعة من الصينيين .. فتفاجئوا من هول المنظر .. حتى كادت عيونهم أن تتفتح من شدة عجبهم واستنكارهم
 .. وقالوا لبعضهم (تشرق شونق جنق شنق) أي لقد كاد الحمار أن يشرق من شدة تحمّله لهذين الشخصين القاسيين اللذان يستحقان الشنق !! فلمّا سمع جحا ذلك نزل من ظهر الحمار على الفور وأنزل ولده كذلك .. وقال له لنمش هكذا ولندع الحمار وحده .. وإلا فسيشنقنا الصينيون ويأكلوننا مع الصويا صوص والنودلز . فلم يفهم ابنه ما قاله أباه لكنه استجاب لأمره .

وظلا يمشيان فترة طويلة عبر الإم فايف (أحد أسرع الشوارع في سيدني) والحمار سعيدا فقد خف حمله .. وها هو في طريق سريع .. 
ولأول مرّة في سيدني يمشي حمار جحا فوق الـ 60 كلم

وفجأة إذا بصوت غريب ...

فالتفت جحا ناحية الصوت .. فرأى رجلا قد أوقف دابّته السوداء العجيبة .. واتجه نحو جحا ، فتوجّس جحا منه واستعاذ بالله من شرّه ، فلمّا رآه مبتسما .. اطمأن جحا وارتاح ، وذهب عنه روعه . فابتدأه الرجل بالترحيب قائلا (أهلين .. كيفك حبيييييييييب ؟؟) فتفاجأ جحا واستغرب ، وقال له (أتتحدث اللغة العربية يا هذا ؟؟) فقال صاحبنا (إيه بحكي عربي أخيييي .. ومن يوم ما شفتك لابس هاي العرئية والعباية .. عرفتك انك عربي) لكن جحا لم يفهم جلّ كلام الرجل .. لكنه حمد الله أن بعث له هذا الرجل .. ثم أشار صاحبنا اللبناني على جحا أن يردفه معه على دابّته الكومودور ذات البابين والحوض الخلفي (أو كما يحب أن يسميه البعض .. ونيت لومينا .. والذي لا يوجد مثله في السعودية !!!) فركب جحا وابنه في الغمارة .. وجلس الحمار في الحوض الخلفي مستمتعا بالهواء يداعب شعره .
وأخذا يتبادلان أطراف الحديث .. وحكى جحا للرجل حكايته مع مجموعة الأسترال المختلفين .. وكيف أن كل مجموعة من هؤلاء المجموعات لم يرتضوا منه عملا عمله .. فكاد أن يصاب بالإحباط .
فقال له اللبناني (الناس هونييي .. ما بيعجبهم العجب ، ولا الصيام برجب)

ومهما فعلت فلم ولن يعجبهم شيء .. حتى لو كنت رئيسا للنادي السعودي .. فلن تُرضي جميع المبتعثين .. فخذ بنصيحتي .. واعمل ما تراه مناسبا ، وشاور أصحاب الفكر السديد .. وراقب الله سبحانه وتعالى ، ولا تراقب الناس .

فمن راقب الناس مات همّا .


المبتعث /

د. أسامة بن عبدالله بارشيد